الأحكام المتعلقة بالنوائب
أ - حكم فرض النوائب :
النوائب بمعنى : ما يفرض على بعض الناس من أموال ، قد يكون فرضها واجبا ، وقد يكون جائزا ، وقد يكون حراما ، وبيان ذلك فيما يلي :
۱- يكون فرض النوائب واجبا إذا كانت هناك مصلحة عامة للأمة وتحتاج إلى مال ، ولا يوجد في بيت المال ما يكفي لتحقيق المصلحة ، كأن تكون هناك حاجة لتجهيز الجيش ، وفداء الأسارى ، فللإمام أن يفرض على بعض الناس شيئا من المال . (1) حديث أحمد في المسند/ (2) تبيين الحقائق 3 / 242 ، والدر المختار وحاشية ابن عابدين 2 / 57 ، و 5 / 282 ، والهداية وشروحها 6 / 332
۲: وأما الجائز من النوائب فهو مثل ما يأخذه الجند على خفارة الحجيج ليدفعوا عنهم كل يد عادية.... وقال الشيخ تقي الدين : الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ، ولا تجوز مع عدم الحاجة إليها كما يأخذه السلطان من الرعايا (كشاف القناع 2 / 392) .
۳: وأما ما يحرم من النوائب فمثل ما يفرض على الناس ظلما دون وجه حق ، سواء أكان من سلطان أم غيره ، قال ابن عابدين : الجبايات الموظفة على الناس في زماننا ببلاد فارس على الخياط والصباغ وغيرهم للسلطان في كل يوم أو شهر فإنها ظلم (حاشية ابن عابدين 4 / 282 ، والعناية شرح الهداية 6 / 332) .
ومن ذلك ما يأخذه المكاس والرصدي من الناس ظلما وهم يترصدون الناس على الطرقات (الحطاب 2 / 494 ، 495) .
ب - حكم أداء ما فرض على الناس بسبب النوائب :
ما فرض على الناس من هذه النوائب
إما أن يكون بحق أو بغير حق :
فإن كان بحق ، كالأموال التي يفرضها الإمام على الناس لتجهيز الجيش أو فداء الأسارى إذا لم يكن في بيت المال شيء ، فهذا لا يجوز الامتناع عن أدائه ، بل هو واجب الأداء ؛ لأنه مصلحة عامة لجميع المسلمين ، فقد نقل ابن عابدين عن الغنية : قال أبو جعفر البلخي : ما يضربه السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير دينا واجب الأداء وحقا مستحقا كالخراج ، وقال مشايخنا : وكل ما يضربه الإمام على الناس لمصلحة لهم فالجواب هكذا ، حتى أجرة الحراس لحفظ الطريق ونصب الدروب وأبواب السكك ، ثم قال : فعلى هذا ما يؤخذ في خوارزم من العامة لإصلاح مسناة الجيحون أو الربض ونحوه من مصالح العامة هو دين واجب الأداء ، لا يجوز الامتناع عنه وليس بظلم ، قال ابن عابدين : وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك (حاشية ابن عابدين 2 / 57) .
أما الجائز من ذلك فهو ما يدفع كأجرة لمن يحرس المسافرين لحج أو غيره إذا كان ما يأخذونه هو المعتاد ، لا ما كان كثيرا يجحف بصاحبه ، فهذا يجوز دفعه لما فيه من المصلحة (الحطاب 2 / 496 ، 497 ، ونهاية المحتاج 3 / 241 ، 242) .
وأما ما يفرض على الناس ظلما فلا يجب دفعه ، ومن استطاع أن يتخلص من ذلك كان أفضل ، يقول ابن عابدين : إن إعطاء النوائب التي بغير حق يعتبر إعانة للظالم على ظلمه ، فإن أكثر النوائب في زماننا بطريق الظلم ، فمن تمكن من دفع الظلم عن نفسه فذلك خير له ؛ ولأن ما حرم أخذه حرم إعطاؤه إلا لضرورة ، فإذا كان الظالم لا بد من أخذه المال على كل حال فلا يكون العاجز عن الدفع عن نفسه آثما بالإعطاء ، بخلاف القادر فإنه بإعطائه ما يحرم أخذه يكون معينا على الظلم باختياره (الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 2 / 56) .
وفي فتاوى الشيخ عليش سئل الداودي فقيل له : هل ترى لمن قدر أن يتخلص من دفع هذا الذي يسمى بالخراج إلى السلطان أن يفعل ؟ قال : نعم يحل له ذلك ، قيل له : فإن وظفه السلطان على أهل بلد وأخذهم بمال معلوم يؤدونه على أموالهم ، هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل ، وهو إذا خلص أخذ سائر أهل بلده بتمام ما جعل عليهم ؟ قال : ذلك له (1) لقول الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس] (سورة الشورى ۴۲) .
ولو جاءت مغرمة على جماعة ، وقدر أحدهم على الدفع عن نفسه ، لكن حصته تؤخذ من باقيهم ، فهل له ذلك ؟ قال الداودي : له ذلك ، وقال الشيخان : يكره له ذلك ، وقال ابن المنير : يحرم عليه ذلك ، وعزاه في المواق لسحنون .
فإن تحقق أن حصته لا تؤخذ من باقيهم كان له الدفع عن نفسه قولا واحدا ، وعمل فيما يأخذه المكاس من المركب بتوزيعه على الجميع ؛ لأنهم نجوا به (حاشية الدسوقي 3 / 225 ) .
الماخذ: الموسوعة الفقهیة الکویتیة، المادة: النوائب
ــــــــــــــــــــــــ
(1) فتح العلي المالك 2 / 186 ط الحلبي